الخميس، 17 ديسمبر 2009

العنف في المدارس: أزمة مدرسة أم أزمة مجتمع ؟

العنف في المدارس:

أزمة مدرسة أم أزمة مجتمع ؟

ليس هناك قطاعا حساسا في حياة الأمم أكثر من قطاع التربية والتعليم مما جعل الدول المتقدمة تولي الأهمية القصوى تمويلا وتسييرا وتأطيرا فلم أصبحت مدرستنا مرتعا للعنف بمختلف أشكاله

1. في تجريم السياسي

يبدو أن السلطة قد عملت منذ بدايات التسعينات على استئصال السياسي من الناشئة ومن الجمهور عامة موظفة كل إمكانياتها الأمنية والسياسية والإعلامية والثقافية في اتجاه تجريم السياسي ومنعه واعتباره خطرا على المجتمع ، وبالفعل فقد شاهدنا كيف أصبح من يحمل فكرا أو من يمارس السياسة في أطياف المعارضة عرضة للتتبعات الأمنية والقضائية ، وفي نفس الوقت موضوعا للتندر والسخرية من جهة أوساط تتمعش من خلال ولائها للسلطة ، ومن خلال الحملات الإعلامية في الصحـــف الصفراء الى حد وصلت فيه السلطة وأطراف مساندة لها الى المستوى القيادي في المعارضة .

يحدث ذلك في تناغم تام مع تبليد للذوق العام وتحقير منهج للفكر والأدب عبر عنف مدروس تمارس وسائل الإعلام بإمكانياتها الضخمة في اتجاه نمت شخصية سطحية انتهازية حياته الى حد الانطواء على الذات خوفا من السياسي ونتائجه إن تدمير السياسي في المجتمع وإحالة المنظرين والسياسيين على التقاعد الوجوبي خلال عشرين سنة ، وغلق الأبواب والمنابر أمامهم ، ومنع نشاطهم ومحاصرة جرائدهم وأفكارهم ، ، وتشويه سمعتهم أمام الرأي العام من خلال مقالات صفراء على جرائد الحدث وكل الناس والإعلان بتنسيق تام مع أجهزة الداخلية في حبك المؤامرات والأباطيل تحت حماية قانونية مؤكدة .. كل ذلك قد جعل الجمهور يفر من الفكري / السياسي خاصة وقد بينت له عدة تجارب بعيدة وقريبة أن السياسي منسوب بالمخاطر ونتائجه غير محمودة العواقب ، بل وكارثية على المجتمع والأفراد في عديد المحطات في ظل قمع للسلطة وأجهزتها المختلفة التي تدير العملية السياسية وتعتبر نفسها المالكة الوحيدة لمشروعية الفعل السياسي .

نتيجة لكل ذلك ، استئصال ايديولوجي ، وتفقير فكري و سياسي يصل الى حد الترهيب العلني وقطع الأرزاق وحرمان المعارضين من الوظيفة مما جعل التنمية السياسية والاجتماعية في بلادنا تبقى في المراتب المبتدئة عربيا ودوليا وفي المقابل تنعى السلطة بقوانين تحررية لفائدة المرأة والطفولة تستغلها لغايات دعائية جوفا تمجد الاستبداء الذي يعاني منه المجتمع ككل في ظل هذا الواقع التي استقالت فيه النخب والكوادر عن الفعل السياسي ، وأصبح الشعار المرفوع لدى المثقفين والجامعيين " فر لنفسك ..."وتحالف مـــــع السلطة لتكريس السائد المتناغم مع منطق الحاكم تحت تبريرات واهية .. فأصبح الفكر عنوان للتخلف والسياسي عنوانا للإبتذال فماذا بقي للمجتمع من قيم تكرسها به المدرسة ؟؟

2- في القيمي / العنفي

لم يشهد مجتمعنا اذن حالة " إفراغ قيمي كتلك التي عرفها في الآونة الأخيرة .. ذوات تائهة ، صامته ، خائفة ، منخرطة في البومي ، تحكمها منطق المنفعة وعقلية استهلاية مرضية : " شخصية ذات بعد واحدى على حد تعبير ما لوز كل هذه المعطيات تدل على حالة افلاس قيمي معرفي انتشر في المجتمع ، أصبحت بموجبه السلطة السياسية ماسكة بكل أطراف اللعبة ومدجنة للنخب في الوقت الذي تختزل فيه حياة الناس في أبسط تمظهراتها البدائية ( ألك ، يوم ، لهو ) والاستمتاع بما جادت به علينا الثورة الرقمية من " مشاهد" في قطيعة تامة مع الواقع المعيشي ومع الفكري والسياسي ، ذلك هو حال المجتمع الذي تعيش فيه مؤسسة المدرسة ، مجتمع اصبح عاجزا على تحصين نفسه بالقيم العليا مما جعل " الما يحدث " الاجتماعي عنف/ تجاهل / صمصرة ، كل ذلك يمتد الى المدرسة وبطال فضاءاتها التي أصبحت مفتوحة يتساوى فيها التلميذ والأستاذ على حد سواء " بالهباط " و " السمسار " و " الخضار " بفعل ذلك القيمة الرمزية / المعنوية للمدرس والمدرسة خاصة وان هذه الأخيرة لم يعد فضاء للرقي الاجتماعي بفعل البطالة التي تعصف بالآلاف من أصحاب الشهائد العليا .

فما هي تداعيات هذا الاحتجاب القيمي الرمزي لمؤسسة المدرسة .

3- المدرسة تتفتح على العنف الاجتماعي

ان حصانة المدرسة ليست حصانة أمنية كما يمارسها النظام في الجامعة او في المعاهد الثانوي ولا هي التشريعات المسقطة على المدرسة التي تكرس واقع الاستيادة ولا هي في تحقيق الفكري / المعرفي / السياسي وغلق مكتبات المعاهد حيث تنكدس فوق رفوفها الأتربة ، إن حصانة المدرسة هي بالأساس حصانة اجتماعية قيمية ، ان المجتمعات تنهل من معنى القيم الإنسانية الأصيلة والصلبة ومن الفكر والفلسفة والأدب ، وتحتضن فضاءاتها مجادلات فكرية وسياسية ذات تنوع عقائدي وفكري يحترم فيه بشكل تام حق الاختلاف ، ليصبح عنصرا أساسيا في الحياة الاجتماعية والسياسية بعيدا عن كل أشكال الإقصاء والتهميش والتحقير هذه المجتمعات هي التي دافعت عن المدرسة لأنها في نظرهم فضاء للفكر الحر والإبداع الفني والأدبي والعلمي والقيمي ، ان المجتمعات التي تمرر الاستبداد وتحرم حق التعبير وحق الاختلاف هي المجتمعات التي ينتشر فيها العنف ، اما المجتمعات المتخلفة فهي، مجتمعات الاستيصال وتجريم الاختلاف وتخوينه وتقدس الرأي الواحد وهي المجتمعات التي ينتشر فيها العنف بكل اشكاله في مناب القيم الأصيلة ولما كانت المدرسة جزء من هذا النسيج الاجتماعي الذي ينشر القيم لا بقوة المنطبق فانها تبعا لذلك سيصبح عرضة للعنف الاجتماعي بكل أشكاله وتحت مسميات عديدة .

ان المسألة مسألة حضورة كبيرة بالنسبة للمدرسة وللمجتمع ككل ، فعندما تصبح المدرسة مستهدفة لإفراغها من ترسانتها القيمية / الرمزية من اجل تكريس " حالة الفراغ" التي يجب ان تقم كل مؤسسات المجتمع نفهم عندئذ الغايات والرهانات التي تريد السلطة الوصول اليها بتكثيف حالة الضغط على المؤسسة وذلك من خلال :

- البرامج التي يتم فرضها على المدرسة .

- ترسانة القوانين التي تحكم المؤسسة التربوية

- محاولة اقصاء الطرف الأساسي في العملية التربوية ( الطرف النقابي ) من المساهمة في صياغة مشروع المدرسة .

- الزج بالمدرسة في فلك بين سياسة الحزب الحاكم وفرض ذلك على المدرسين والتلاميذ على حد السواء.

كل هذه الآليات تهدف الى قتل المبادرة داخل المؤسسة التعليمية ، وخنق إمكانية الإبداع والابتكار والفعل الهادف لعلهم بذلك لا يكشفون الهدف المسكوت عنه هو " فرض السائد الاجتماعي على المدرسة لتصبح مثلها مثل المجتمع الإقصاء للوهن والعمر وبالتالي تطمئن السلطة على عرشها وتنساق المدرسة مع ما يحدث " الاجتماعي ككل وعلى استهداف آخر معقل عرفه التاريخ من معاقل الإشعاع والمبادرة في مجال الفكري / السياسي وقدرتها على التأثير الايجابي على المجتمع بهذا عملت هذه السياسات على قلب الصورة تماما بل قل قلب المعادلة فيتحول وقع المدرسة من فاعل ومؤثر الى مفعول به ومتأثر هذه هي الاستراتيجيات التي تريد السلطة الوصول اليها عبر تعطيل المدرسة والطاقات السياسية عن كل فعل ومبادر حتى سنين نهائيا " الأمن والأمان "

عطية عثموني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق